الخميس، ديسمبر 01، 2011

اسرائيل والبعبع المصرى



أعد الخبير الإستراتيجي "الإسرائيلي" (شلومو بروم) ورقةً بحثيةً نشرها بمجلة "نظرة عليا"- إحدى إصدارات معهد أبحاث الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب - تناول فيها تطور الأوضاع التي شهدتها العلاقات المصرية - "الإسرائيلية" على ضوء حادث إيلات واستشهاد عدد من الجنود المصريين بنيران صهيونية، وطرح فيها توصياته بشأن حل الأزمة العالقة بين البلدين، مؤكدًا على أن الشعب المصري بات كلمة السر الجديدة التي ترعب قادة الكيان الصهيوني، بعد أن أصبح لاعبًا رئيسًا في تحديد ورسم مستقبل العلاقات بين القاهرة وتل أبيب بعد ثورة 25يناير.

استهل الخبير الصهيوني مقاله الذي يحمل عنوان "الأزمة في العلاقات المصرية -(الإسرائيلية) رؤى وتوصيات" بالإشارة إلى أن بداية الأزمة بين البلدين ترجع إلى العملية التي شهدتها مدينة إيلات "الإسرائيلية" بالقرب من الحدود مع مصر، مؤكدًا أن الأنباء بشأن مقتل جنود مصريين برصاص قوات جيش الاحتلال التي كانت تطارد منفذي عملية إيلات أدت إلى اندلاع مظاهرات غاضبة في القاهرة ضد "إسرائيل". وقد استجابت الحكومة المصرية لردة فعل الشارع وطالبت "إسرائيل" بالاعتذار ودفع تعويضات، بل وأعلنت عن نيتها سحب السفير المصري من تل أبيب، لكن ما لبث أن تغير الموقف الرسمي المصري في غضون أقل من 24 ساعة رغم استمرار المظاهرات، وحُذف من على صفحة الموقع الإلكتروني للحكومة المصرية نبأ سحب السفير من تل أبيب، وكُتب بدلاً منه أن لمصر مصلحة كبرى في استمرار عمل السفير المصري في "إسرائيل".

ضغوط أمريكية

وتابع "شلومو بروم" أن التغيير الحاد في الموقف المصري هذا يرجع لسببين أساسيين:

الأول – الضغط الأمريكي والدول الغربية على مصر بعدم التسرع في اتخاذ موقف حادٍّ من "إسرائيل" والبدء في حوار مكثف معها، من خلال المبعوثين الذين جاءوا لزيارة القاهرة لحل الأزمة.

الثاني- طابع النظام الحاكم في مصر عقب إسقاط الرئيس مبارك، فهو نظام ثنائي الحكم؛ المجلس العسكري الأعلى، والحكومة المصرية المؤقتة... فالحكومة مسئولة عن الإدارة الفنية الداخلية والخارجية للبلاد، أما المجلس العسكري فيتدخل عندما تكون هناك حاجة لذلك.

نظاما الحكم هذين - حسب زعم بروم - لهما مصالح متباينة ومختلفة، لذا فأجندتهما مختلفة. فالمجلس العسكري الأعلى هو الحاكم الحقيقي - حتى الآن - وهناك مصالح واضحة للحفاظ على استقرار الحدود المصرية -"الإسرائيلية"، والحفاظ على اتفاق السلام مع "إسرائيل"، والحفاظ على منظومة العلاقات مع العالم الغربي وبخاصة مع الولايات المتحدة الأمريكية، حيث إن أكثر من ثلث ميزانية الجيش المصري بما فى ذلك خطط تحديثه تأتي من الولايات المتحدة الأمريكية، لهذه الأسباب المجلس العسكري المصري ملتزم بتبني سياسة مسئولة أمام "إسرائيل" والولايات المتحدة الأمريكية. في مقابل ذلك الحكومة المؤقتة تعلم أن فترة عملها محدودة ومستقبل أعضائها السياسي سيكون مرتبطًا بعد حلها بإرادة الشعب المصري، لذلك فالأمر المهم بالنسبة للحكومة هو إرضاء الشارع المصري، والاستجابة لمطالبه.

وتابع بقوله: "يبدو أن البيانات الحادة الأولى التي صدرت عن مصر عقب حادث مقتل الجنود المصريين قد صدرت عن الحكومة، التي عملت بدون تنسيق مع المجلس العسكري الذي اهتم من جانبه أن يوضح للحكومة ماذا يجب عليها أن تفعله، وما لا يجب أن تفعله في الموضوعات الحساسة كتلك".

أوضح الخبير "الإسرائيلي" في ورقته البحثية أنه كان على تل أبيب أن تسهم بدورها في حل الأزمة بعد أن تلقت رسائل واضحة من المجلس العسكري الأعلى في مصر تفيد بأنه سيجد صعوبةً للعمل على عكس موقف الرأي العام في البلاد، إذا ما هاجمت "إسرائيل" قطاع غزة كرد فعل على عملية إيلات، لذا تصرفت الحكومة "الإسرائيلية" بشكل محسوب وحذر فى كل ردود أفعالها. ويمكن الافتراض أنه في ظل ظروف أخرى فستكون هناك مخاوف من تآكل قوة الردع "الإسرائيلية" أمام الفلسطينيين إذا لم يكن رد فعل "إسرائيل" حادًّا وأكثر عنفًا.

وقيعة صهيونية

وأشار "شلومو بروم" إلى أنه نتج عن حادث مقتل الجنود المصريين على الحدود ظهور عدة رؤى مهمة فيما يتعلق بعلاقة البلدين في عصر ما بعد الرئيس المخلوع حسني مبارك، يمكن إجمالها في النقاط التالية:

أولاً – تحول سيناء لبؤرة مشاكل محتملة وجادة التي من شأنها أن تضر بالعلاقات الإستراتيجية بين مصر و"إسرائيل". ومع ذلك كانت سيناء بؤرة مشاكل في المنطقة حتى قبل الإطاحة بمبارك، حيث لم تكن السيطرة المصرية فيها كاملةً، والدليل على ذلك عمليات التهريب لغزة، لكن الوضع ازداد خطورةً في أعقاب ثورة 25يناير.

وفي محاولة للوقيعة بين بدو سيناء والسلطات المصرية وتوسيع هوة الخلافات بينهما زعم الخبير الصهيوني أن القبائل البدوية في سيناء والتي تشعر بالغربة عن السلطات المصرية تستغل الوضع القائم حاليًا على أرض الفيروز لتحقيق مزيد من الحكم الذاتي وفعل كل ما يحلو لهم. وانضم إليهم عناصر جهادية التي اعتبرت سيناء ميدان عمل مريح، ومن بينهم معتقلين هربوا من السجون المصرية خلال أحداث الثورة في مصر. في المقابل يتعين على "إسرائيل" دراسة إذا ما كانت التسويات القائمة بين "إسرائيل" ومصر تناسب التعامل مع المشكلة المتفاقمة في سيناء أو أنه يجب دراسة التسويات الجديدة ، من خلال إعادة النظر في الملحق العسكري لاتفاق السلام مع مصر بحيث يتماشى مع الوضع الذي يجب أن تعزز فيه مصر قواتها العسكرية في سيناء من أجل التعامل مع المصالح "الإسرائيلية" - المصرية المشتركة، أي وقف الفوضى وإقامة نظام أمني جديد.

الشعب المصري

ثانيًا - هناك لاعب جديد ظهر على ساحة العلاقات بين مصر و"إسرائيل" عقب ثورة 25يناير وأصبح لهذا اللاعب دور محوري ومهم في تلك العلاقات، ولا يمكن تجاهله بأي حال من الأحوال، ألا وهو "الشعب المصري"، فـ"إسرائيل" مطالبة حاليًا بأن تضع هذا اللاعب في حساباتها، وتعتبره عنصرًا رئيسًا في كل سياستها الجديدة حيال مصر. كما يجب على "إسرائيل" توخي الحذر في كل قراراتها التي لها تأثير محتمل على الرأي العام المصري. فالهجوم الكلامي على مصر والذي يتم تفسيره على أنه مساس بالكرامة الوطنية المصرية ليس الطريق الصائب للتعامل مع الرأي العام المصري الذي يتأثر بالممارسات "الإسرائيلية" حيال الفلسطينيين.

وقد بات من المؤكد أن "الشعب المصري" أصبح بالفعل بعد إسقاط نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك مصدر قلق ورعب لقادة الكيان الصهيوني، وهو ما اتضح من تأكيد "شلومو بروم" في ورقته البحثية حيث قال: "إن الموقف الأخير للشعب المصري حيال "إسرائيل" جاء على عكس التفسيرات والتحليلات التي ترددت في "إسرائيل" عقب الثورة المصرية، والتي تفيد بأن المصريين سيركزون على شئونهم الداخلية في هذه المرحلة، وسيكونون أقل اهتمامًا بالعلاقات بين "إسرائيل" والفلسطينيين".

وشدد "بروم" على أن انتفاضة الشعب المصري ضد "إسرائيل" تحمل مغزى مهمًّا في المرحلة المقبلة، وهو أنه سيكون على "إسرائيل" ضغوطات ثقيلة أكثر تكبل يديها من التحرك بحرية ضد قطاع غزة.

الثالث – على الرغم من الثقل المتزايد لقوة الرأي العام المصري فإنه لا يوجد تغيير جوهري في المصالح الأساسية لمصر طبقًا لما يراها النظام الحاكم ومعظم العناصر السياسية. ربما يوجد تغيير في الموسيقى، لكن ليس في جوهرها. هذا هو السبب الذي من أجله لم تتغير العلاقات مع إيران بشكل واضح، وظلت العلاقات مع واشنطن قريبةً كما كانت.

حوار إستراتيجي

وتابع "شلومو بروم" بقوله: "إن هناك اتفاقًا شبه عام على أنه يجب على مصر المحافظة على استمرار اتفاق السلام مع "إسرائيل"، وحتى العلاقات مع حماس في قطاع غزة لم تشهد تغييرًا حقيقيًّا في كل ما يتعلق بإجراءات الخروج من غزة لمصر". مشيرًا إلى أن هذا الوضع قد يخلق فرصةً للحوار الإستراتيجي والتفاهمات الإستراتيجية بين مصر و"إسرائيل"، وأن تغييرات محتملة في الملحق العسكري لاتفاقية كامب ديفيد من الممكن أن يكون أساسًا جيدًا لحوار كهذا.

واختتم الخبير "الإسرائيلي" ورقته البحثية بالتأكيد على عدم وجود ضمانة بأن الوضع في مصر يبقى كما هو عليه الآن، وأن هناك توقعات بأن التغييرات السياسة المحتملة التي تشهدها مصر عقب الانتخابات النيابية الحرة قد تؤدي إلى حدوث تغيير في وصف المصالح وبخاصة تحديد السياسة التي سيتم استقاؤها منها. غير أن للاتفاقيات السياسية قوةً من الصعب تغييرها، خاصةً عندما تصبح حقيقةً قائمةً؛ لذا فمن الضروري الدخول في حوار إستراتيجي مع مصر هدفه التوصل إلى تفاهمات إستراتيجية، حتى ولو كان في مقابله دفع ثمن سياسي كبير من أجل نجاحه.

أخيرًا، نؤكد أن مثل هذه الدراسات الصهيونية الهدف منها في الأساس هو جس نبض الشارع المصري ومعرفة توجهاته ومواقفه حيال مستقبل العلاقات مع تل أبيب، التي بدت مهددةً بالانهيار الكامل منذ سقوط نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك عقب ثورة 25يناير المجيدة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق